منتدى سواعد الإخاء

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى سواعد الإخاء

تمكين الفقه المالكي من تبوء مكانته الأساسية في الدراسات الحديثة، النشاطات والدورات والمسابقات، إحياء وبعث رسالة المسجد


    خصائص المذهب المالكي

    avatar
    الهامل الهامل
    عضو جديد
    عضو جديد


    عدد المساهمات : 26
    نقاط : 65
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 16/05/2011

    خصائص المذهب المالكي Empty خصائص المذهب المالكي

    مُساهمة من طرف الهامل الهامل الثلاثاء فبراير 11, 2014 11:25 am

    الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، حمدا كثيرا طيبا مباركا، والصلاة والسلام على المعلم الأول الذي جاء بشرع الله بشيرا ونذيرا و على آله وصحبه أجمعين.
    وبعد، المذهب المالكي هو أحد المذاهب الإسلامية المعتبرة، نشأ في القرن الثاني الهجري، ومؤسسه هو الإمام مالك بن أنس، ويعد مذهبه مدرسة مستقلة بين المدارس الفقهية الاجتهادية التي استمرت حتى عصرنا، كما يعد مالك محدثا مدققا وفقيها قوي القريحة. انتشر المذهب منطلقا من المدينة المنورة موطن مالك، ولقي القبول شرقا غربا. وينتشر هذا المذهب في شمال إفريقيا وبلاد المغرب والساحل الغربي لإفريقيا وبلاد السودان والإمارات العربية المتحدة.
    وتميز المذهب المالكي عن باقي المذاهب السنية الأخرى بعدة خصائص جعلته يحتل مكانة في بلدان الغرب الإسلامي، ومن بين هذه الخصائص؛ كثرة أصوله وتنوعها مما يجعله أكثر مرونة ووسطية عن باقي المذاهب الفقهية. وكذا واقعيته في معالجة القضايا المطروحة عليه مما نجم عنه كثرة مصطلحاته.
    فماهي أبرز هذه الخصائص من حيث أصوله و فقهه و مصطلحاته؟
    وعلى هذا ارتأينا أن يأتي تصميم العرض على الشكل التالي:
    مقدمة
    المبحث الأول: خصائص المذهب المالكي من حيث أصوله
    المطلب الأول: كثرة أصوله
    المطلب الثاني: تنوع الأصول الفقهية
    المطلب الثالث: التوسع في استثمار الأصول المتفق عليها
    المبحث الثاني: خصائص المذهب من حيث الفقه
    المطلب الأول: رحابة صدره وقابليته للتطور والتجديد
    المطلب الثاني: المرونة والتيسير
    المطلب الثالث: الوسطية والاعتدال وبعده المقاصدي
    المطلب الرابع: الواقعية والمنطقية

    المبحث الثالث: خصائص المذهب من حيث كثرة مصطلحاته
    المطلب الأول: ما يتعلق بالأحكام التكليفية وأوصاف العبادة
    المطلب الثاني: ما يتعلق بالمسائل الفرعية والترجيحات
    المطلب الثالث: ما يشير إلى أئمة وكتب المالكية

    المبحث الأول: خصائص المذهب المالكي من حيث أصوله
    يمتاز المذهب المالكي على مستوى أصول الفقه بعدة مزايا وخصوصيات من أهمها:
    المطلب الأول: وفرة مصادره وكثرة أصوله
    وهي المتمثلة في الكتاب والسنة والإجماع وعمل أهل المدينة والقياس والاستحسان والاستقراء وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والأخذ بالأحوط ومراعاة الخلاف، بالإضافة إلى القواعد العامة المتفرعة عنها والتي أنهاها بعض المالكية إلى ألف ومائتي قاعدة تغطي جميع أبواب الفقه ومجالاته .
    كانت نشأة أصول الفقه المالكي على شكل مجموعة من الردود على مخالفي الأئمة المجتهدين، وظهرت هذه الردود بعد وفاة الإمام مالك رحمه الله. ذلك أن الذين عارضوا آراءه في حياته لم يلقوا آذانا صاغية، وبالخصوص في المدينة التي كان فيها إماما مفتيا ومحدثا ومدرسا. فلم يزاحمه طيلة حياته فيها أحد واشتهرت فيها القولة المأثورة "أيفتى ومالك في المدنية؟"، غير أنه في آخر القرن الثاني الهجري ظهرت في العراق أولا، وفي مصر ثانيا حركة فكرية حاولت تأصيل المذاهب وتثبيت أصول الاحتجاج في مسائل الخلاف .
    "فقد قام علماء المذاهب بحصر أصول المذهب وترتيبها بل وتوسعوا في ذلك توسعا أدى إلى اعتبار مذهب مالك أكثر المذاهب أصولا فقد قيل: إنها تصل إلى خمسمائة وهي لا تقل عن تسع، وإن كانت عند أكثر العلماء ستة عشر أصلا" .
    وقد اختلف المالكية في عد هذه الأصول، فابن العربي(ت543هـ) عدها عشرة (10) ولما قسم القرافي (ت684هـ) الأدلة قال إنها تسعة عشر (19) بالاستقراء وهي: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسد الذرائع، والاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخف، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع الخلفاء الأربعة.
    وأما الفقيه أبو محمد صالح (653هـ) فقد عدها ستة عشر أصلا (16) وهي نص الكتاب وظاهره وهو العموم، ودليله وهو مفهوم المخالفة، ومفهومه (أي مفهوم الموافقة)، والتنبيه على العلة، ومثل هذه خمس من السنة، ثم الإجماع، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، والاستحسان، والحكم بسد الذرائع، مع اختلاف قوله في مراعاة الخلاف فمرة يراعيه ، ومرة لا يراعيه .
    ورد الشاطبي (790هـ) الأدلة الشرعية إلى ضربين دون أن يفصلهما، أحدهما ما يرجع إلى النقل، والثاني ما يرجع إلى الرأي .
    وقد استحسن أبو زهرة هذا التقسيم ورأى أن له وجها معقولا جدا؛ لأن مالكا كان يعتبر عمل أهل المدينة وقول الصحابي من شعب السنة، كما أن كلمة الرأي تشمل بعمومها:المصالح المرسلة، وسد الذرائع، والعادات، والاستحسان، والاستصحاب، والقياس.
    وذكر السبكي في الطبقات أن أصول مالك تزيد عن خمسمائة، ولعله يشير إلى القواعد التي استخرجت من فروعه المذهبية، ولاحظ أبو زهرة أن المذهب المالكي أكثر المذاهب أصولا، وهذه الكثرة تجعله أكثر مرونة وأقرب حيوية، وأدنى إلى مصالح الناس، وما يحسون وما يشعرون.
    يذهب البعض إلى أن الإمام مالكا لم يدون أصوله التي بنى عليها مذهبه، والتي قيد نفسه في الاستنباط بقيودها إلا أن الحافظ ابن العربي يجزم أن مالكا بين في الموطأ معظم أصول الفقه التي يرجع إليها مسائله وفروعه. والحق أنه لا يوجد دليل واضح يؤكد ما ذهب إليه ابن العربي في القبس وعياض في المدارك ، ومن ثم يجوز القول بأن ذلك يبقى من عمل أتباعه الذين جاؤوا إلى الفروع ، فتتبعوها ووازنوا بينها، فاستنبطوا منها ما صح لديهم أنه دليل قام عليه الاستنباط ، فدونوا تلك الأصول وأضافوها إلى الإمام مالك تساهلا.
    فدراسة أصول الفقه المالكي تتطلب بحثا شاملا في أدلة الأحكام الواردة في الكتب المعروفة بأمهات المذهب مثل الموطأ وشروحه، ومدونة سحنون وما عليها من تعليقات، ونوادر ابن أبي زيد، وبيان ابن رشد، وتصنيف هذه الأدلة لنميز منها ما يستند إلى النصوص في عمومها أو ظواهرها، ثم ما استمد أصله من أسس الاجتهاد كالقياس والاستحسان، والملاحظ أن هذا العمل يستدعي مجهودا كبيرا ووقتا طويلا، خصوصا وأن الإمام مالك لم يكتب في الأصول ليبين منهجه في تقرير الأحكام، مثل ما فعل الشافعي في رسالته، ومثل ما نسب إلى أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة. وإذا استعرضنا مراجع أصول الفقه في القرون الأولى فقلما نجد من بينها كتب علماء المالكية. وهكذا اعتبر أن أئمة هذا العلم كانوا من بين الحنفيين والشافعيين .
    المطلب الثاني: تنوع الأصول الفقهية
    هذه الكثرة أغنت الفقه المالكي و أعطته قوة وحيوية و وضعت بين أيدي علمائه من وسائل الاجتهاد وأدوات الاستنباط ما يؤهلهم لبلوغ درجة الاجتهاد ويمكنهم من ممارسته ويسهل عليهم مهمته.
    وإذا كانت بعض المذاهب شاركت المذهب المالكي في بعض هذه الأصول فإن ميزة الفقه المالكي تكمن في الأخذ بجميع هذه الأصول بينما غيره لم يأخذ إلا ببعضها ورد الباقي.
    تتميز هذه الأصول والمصادر بالتنوع فإنها تتراوح بين النقل الثابت والرأي الصحيح المستمد من الشرع والمستند إليه كالقياس. هذا التنوع في الأصول والمصادر والمزاوجة بين العقل والنقل والأثر والنظر وعدم الجمود على النقل أو الانسياق وراء العقل هي الميزة التي ميزت المذهب المالكي عن مدرسة المحدثين ومدرسة أهل الرأي وهي سر وسطيته وانتشاره والإقبال الشديد عليه وضرب أكباد الإبل إلى إمامه في أيام حياته .
    فالمالكية يذكرون في كتبهم خمسة أصول يقولون إنه ينسب إلى مالك الانفراد بها، وهذه الأصول هي:
    - المصلحة المرسلة.
    - سد الذرائع.
    - عمل أهل المدينة.
    - الخروج من الخلاف.
    - العوائد.
    كما يذكر عنه الأصوليون من غير المالكية انفراده بالثلاثة الأولى دون غيرها.
    1- انفراد المذهب المالكي باعتبار المصالح المرسلة.
    المصلحة لغة: كالمنفعة وزنا ومعنى هي اسم للواحدة من المصالح، المرسلة: من الإرسال وهو الإطلاق [الإهمال] وعدم التقييد.
    اصطلاحا: فإن المراد بها عند الأصوليين: المصلحة التي أهملها الشارع، فلم يدل دليل على اعتبارها أو إلغاء بخصوصها، مع دخولها في مقاصد الشريعة الإسلامية العامة.
    وقد يعبر عنه بعضهم بالاستصلاح أو الاستدلال مراعاة لعملية بناء الحكم على الوصف المناسب أو المصلحة.
    أما آراء العلماء في انفراد المالكية باعتبار المصالح المرسلة فقد تعرض أغلب الباحثين في الأصول قديما وحديثا إلى هذه المسألة في كتبهم وبحثوها بحثا مستفيضا، إلا أنهم مع ذلك اضطربت أقوالهم اضطرابا كبيرا، خصوصا عند حديثهم عن موقف الأئمة الأربعة منها، كما اضطربت كذلك عند كلامهم عن ماهية المصلحة المرسلة عند مالك رحمه الله.
    فالآمدي وابن السبكي وبعض علماء المالكية وبعض المعاصرين أن مالكا رحمه الله انفرد باعتبار المصالح المرسلة، ويرى علماء المالكية وعلى رأسهم القرافي أن مالكا رحمه الله لم ينفرد بها وإنما أخذ بها غيره من العلماء، وأما الجويني فقد اضطرب رأيه في المسألة فأحيانا يذكر أن مالكا انفرد بها وأحيانا يذكر أن الشافعي أيضا أخذ بها.
    وهذا ما أكده القرافي أن مالكا رحمه الله لم ينفرد باعتبار المصالح مدللا على ذلك بأمور منها أولا: أن أبا حنيفة رحمه الله قد نص أصحابه على أن من أصوله الاستحسان الذي هو عند أصحابه: ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس وقيل طلب السهولة في الأحكام فيما يبتلى فيه الخاص والعام، وقيل الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة، وقيل الأخذ بالسماحة واتبغاء الراحة.
    والحنفية وإن سموا ما بنوا عليه تلك المسائل استحسانا فإنه في الحقيقة غير خاف فيها مراعاة المصلحة المرسلة فيكون ما ذكره اصطلاحا.
    بالنسبة للشافعي رحمه الله قد أخذ بالمصالح المرسلة وإن لم يعدها من أصوله. ويؤكد ذلك ما ذكره الجويني في كتاب البرهان أن الشافعي يأخذ بالاستدلال [المصلحة المرسلة] بشرط أن تشهد لها قواعد الشرع بالاعتبار.
    الإمام أحمد رحمه الله قد أخذ بها وإن لم يعدها دليلا مستقلا وإنما يعتبرها داخلة تحت مفهوم القياس لأن مفهوم القياس عنده كان واسعا.
    خلاصة الكلام أن الأئمة الأربعة أخذوا بها إما باعتبار الاستصلاح دليلا مستقلا كما هو المأثور عن مالك والشافعي، أو باعتباره داخلا تحت دليل آخر كما هو الشأن عند أبي حنيفة وأحمد حيث اعتبره أحمد داخلا تحت مفهوم القياس واعتبره أبو حنيفة داخلا تحت مفهوم الاستحسان.
    بعد هذا لابد أن أعرج على ضابط المصلحة المرسلة عند الإمام مالك لكون عدم التحديد هو الذي سبب الخلط في هذه المسألة فيما يبدو. فنجد أن هناك ثلاث آراء في ضابط المصلحة المرسلة عند مالك أنه يأخذ بها إذا لم يكن لها شاهد بالاعتبار ولا بالإلغاء بخصوصها وإن كانت لا بد أن تكون داخلة في قواعد الشرع الكلية، وهذا الرأي هو الذي نقله أغلب المالكية عن إمامهم مالك ويعتبرونه الرأي الأوفق بنهجه.
    2- القول بانفراد المالكية بالعمل بسد الذرائع:
    فأما السد في اللغة فيدل على ما كان حاجزا ومانعا بين شيئين، وأما الذرائع فهي جمع ذريعة وتطلق على عدة معان منها الوسيلة.
    وعند الأصوليين تطلق إطلاقين: إطلاق عام: بمعنى أنه يشمل جميع الذرائع سواء أكانت ذرائع مفتوحة أم مسدودة، و إطلاق خاص بمعنى: أنها تطلق على أنواع معينة من الذرائع وهي الذرائع المسدودة شرعا. وهذا الإطلاق هو الذي عبر عنه ابن رشد الجد رحمه الله بقوله: "الذرائع: الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور". وهذا هو المقصود من خلال هذه الكلمة. ويكون سد الذرائع في الاصطلاح: منع الأشياء التي ظاهرها الإباحة لا لذاتها وإنما لكونها تفضي إلى الفعل المحرم.
    فنجد أن كثير من علماء المالكية كما يقول القرافي أن سد الذرائع قد انفرد بالعمل به مالك رحمه الله دون غيره من الأئمة. لكن الحقيقة أن المالكية لم ينفردوا بالعمل بسد الذرائع بل وافقهم على ذلك غيرهم من فقهاء المذاهب الأخرى.
    فالحنفية نصوا على أن وسيلة الشيء تعطي حكمه، ومن مقتضيات هذا سد الذرائع. ويحكمون في كتبهم بمقتضى سد الذرائع، وأن الحنابلة أيضا قد أخذوا به فنجد ابن القيم رحمه الله يقول: "إن سد الذرائع أحد أرباع التكليف؛ فإنه أمر ونهي"، في حين الشافعية اختلفت آراؤهم في القول بسدها وفتحها، فالمروي عن الشافعي في كتابه الأم هو القول بفتحها.
    ومما سلف ذكره يتضح أن المالكية لم ينفردوا بسد الذرائع بل إن الحنفية والحنابلة وافقوهم على العمل بسدها واختلف القول عن الشافعي رحمه الله.
    3- انفراد المالكية باعتبار عمل أهل المدينة
    رغم كثرة حديث الأصوليين المتقدمين عن هذا الموضوع إلا أنك لا تجد لهم فيه تعريفا. وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين وضع تعريف له يحدد أطرافه منهم الدكتور الشعلان، حيث يقول: "عمل أهل المدينة هو: ما اتفق عليه العلماء والفضلاء بالمدينة كلهم أو أكثرهم في زمن مخصوص سواء أكان سنده نقلا أم اجتهادا". وفيه إشارة إلى أن عملهم المعتبر مرتبط بفترة محدودة عند مالك. وفيه أيضا تقسيم لإجماعهم من جهة مستنده، وأنه قد يكون نقلا وقد يكون اجتهادا. وفي هذا التحديد إزالة للكثير من الغموض الذي كان يكتنف إجماعهم.
    يكاد الأصوليون على أن اعتبار عمل أهل المدينة حجة خاص بمالك رحمه الله بل إن بعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك فيستبعد كون مالك يقول به ويرى أن ذلك إنما نسبه إليه أصحاب المقالات، وبالتالي فلا يكون اعتبار عمل أهل المدينة قد قال به أحد وممن ذهب إلى هذا الرأي الجويني.
    بينما يرى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وهو المفهوم من كلام مالك رحمه الله في رسالته إلى الليث بن سعد أن عمل أهل المدينة من حيث مستده نوعان: نوع مستنده النقل المتواثر: فهذا حجة عند جميع العلماء ولا ينبغي لأحد أن يخالف فيه.
    ونوع مستنده الاجتهاد: فهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين مالك وغيره من العلماء، وعلى أن من هؤلاء العلماء أيضا من يرى أن مالكا لا يرى حجية هذا النوع من العمل وإنما ذلك في نظره قول نسبه إليه من لا معرفة له بأصوله.
    فذهب غالبيتهم إلى أن مالكا قد انفرد باعتباره، وذهب بعضهم إلى أنه إنما انفرد باعتبار عملهم الكي مستنده الاجتهاد، وذهب الباجي إلى أن مالكا لم ينفرد عن الأئمة في اعتبار عمل أهل المدينة بشيء وإنما المعتبر عنده عملهم المستند إلى النقل دون ما كان مستنده الاجتهاد وبالتالي فلا يكون مالك قد انفرد عن الإئمة باعتبار عمل أهل المدينة حجة.
    فعمل أهل المدينة فيما طريقه النقل حجة عند جميع العلماء، ولا ينبغي أن يخالف فيه أحد، وأن مالكا انفرد باعتبار ما كان طريقه الاجتهاد من إجماعهم وأن الخلط الدي حدث عند الأصوليين في هذه المسألة كان سببه عدم تحديد المراد بإجماع أهل المدينة عند مالك وأصحابه.
    4- انفراد المالكية بالقول بالخروج من الخلاف
    نجد العلماء قد عبروا عن هذه المسألة بعبارتين:
    إحداهما: الخروج من الخلاف، والثانية: مراعاة الخلاف
    فالشاطبي ذكر أن المراد بها "مراعاة دليل المخالف" فالمراد بها إعمال دليل المخالف.
    وعرفها ابن عرفة بأنها: "إعمال دليل في لازم مدلوله، الذي أعمل فيه نقيضه دليل آخر"، إلا أننا من خلال استقراء كتب الشافعية نجد أنهم يأخذون بمراعاة الخلاف يقول السيوطي: "القاعدة الثانية عشرة الخروج من الخلاف مستحب فروعها كثيرة جدا لا تكاد تحصى"
    أما المذهب الحنفي والحنبلي لم يتم الوقوف على هذه القاعدة من خلال ما داء في كتبهم.
    إلا أننا نخلص أن المالكية لي ينفردوا باعتبار "مراعاة الخلاف" بل إن الشافعية وافقوهم على العمل بها وذلك كاف لبيان عدم الانفراد.
    5- انفراد المالكية باعتبار العوائد
    العوائد لغة جمع عادة وهي الديدن والدأب والاستمرار على الشيء سميت بذلك لأن صاحبها يعاودها أي يرجع إليها مرة بعد أخرى.
    اصطلاحا: الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية
    وقوله المتكرر: يخرج غير المتكرر من الأقوال والأفعال لأنه لا عبرة له.
    ويذكر علماء المالكية أن المالكية انفردوا باعتبار العوائد دون غيرهم فقال بعضهم: "يقضى بالعادة عند المالكية خلافا لغيرهم وذلك ما لم تخالف الشريعة" لكن القرافي ذهب إلى اعتبار العوائد مشترك بين المذاهب، وأن من تتبعهم وجدهم يصرحون بذلك فقد جاء في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي من الشافعية: "القاعدة السادسة العادة محكمة ثم قال موضحا لها اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة" وهذا بالنسبة لباقي الأئمة نخلص أيضا أن العوائد هو قول المذاهب الأربعة وأن مالكا رحمه الله لم ينفرد عنهم به.
    المطلب الثالث: التوسع في استثمار الأصول المتفق عليها
    توسعه في استثمار الأصول المتفق عليها توسعا كبيرا مما ساعد ويساعد على سد الفراغ الذي يمكن أن يحس به المجتهد عند ممارسة الاجتهاد والاستنباط، وهكذا نجده في التعامل مع الكتاب والسنة لا يكتفي بالنص والظاهر بل يقبل مفاهيم المخالفة والموافقة وتنبيه الخطاب كما يقبل دلالة السياق ودلالة الاقتران والدلالة التبعية، وقد استدل بقوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) على عدم وجوب الزكاة في الخيل لاقترانها بالحمير التي لا زكاة فيها ،كما توسع في باب القياس فقبل أنواعا من القياس لا يقبلها غيره ولم يخصه بباب من أبواب الفقه ولا نوع من أنواع الحكم.
    بينما نجد كثيرا من الفقهاء يردون بعض أنواع القياس ويضيقون مجالات المقبول عندهم. فلا يقبلون القياس على ما ثبت بالقياس ولا القياس المركب والقياس على مخصوص وقياس العكس. ولا يجيزون القياس في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات والأسباب والشروط والموانع.
    اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ: خصائص المذهب المالكي من حيث الفقه
    بناء على هذه الأصول المتنوعة فان المذهب المالكي قد امتاز بمجموعة من المميزات من حيث الفقه وهي مجملة على الشكل الآتي:
    – 1 رحابة ﺻﺪرﻩ و انفتاحه على غيره
    – 2 ﻗﺎبليته ﻟﻠﺘﻄﻮر واﻟﺘﺠﺪيد
    – 3 اﻟﻤﺮونة و اﻟﺘﻴﺴﻴﺮ
    – 4 اﻟﻮﺳﻄﻴﺔ واﻻﻋﺘﺪال
    – 5 اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻤﻘﺼﺪي
    – 6اﻟمنطﻘﻴﺔ واﻟﻌﻘﻼنية
    – 7 اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ
    المطلب الأول: رحابة ﺼﺪره و قابليته للتطور و التجديد
    الفرع الأول: رحابة ﺼﺪره و انفتاحه على غيره
    يمتاز اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ برحابة ﺻﺪرﻩ وانفتاحه ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ من اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ واﻟﺸﺮاﺋﻊ اﻟﺴﻤﺎوية اﻟﺴابقة واﻋﺘﺮاﻓﻪ باﻟﺠﻤﻴﻊ، واﺳﺘﻌﺪادﻩ ﻟﻠﺘﻌﺎيش معه واﻻﺳﺘﻔﺎدة منه بفضل ﻗﺎﻋﺪة "شرع من ﻗﺒﻠﻨﺎ شرع ﻟﻨﺎ ما ﻟﻢ يرد اﻟﻨﺎﺳﺦ" -اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬهﺎ مالك أﺻﻼ من أﺻﻮﻟﻪ اﻟﺘﻲ بنى ﻋﻠﻴﻬﺎ مذهبه وأﺳﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﻬﻪ- .
    * و هكذا أخذ المالكية مشروعية اﻟﺠﻌﺎﻟﺔ واﻟﻜﻔﺎﻟة من ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮرة يوسف: "وﻟﻤﻦ ﺟﺎء به حمل ﺑﻌﻴﺮ وأﻧﺎ ﺑﻪ زﻋﻴﻢ".
    كما اﺳﺘﺪﻟﻮا ﻋﻠﻰ مشروعية ﻗﺴﻤﺔ اﻟﻤﻬﺎيأة ﻓﻲ اﻟﻤﻴﺎﻩ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ حكاية ﻋﻦ ﺻﺎﻟﺢ: "هﺬﻩ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻬﺎ شرب، وﻟكم شرب ﻳﻮم معلوم".
    و كذا ﻋﻠﻰ ﺟﻮاز اﻹﺟﺎرة واﻟﻨﻜﺎح ﻋﻠﻰ منافع بقول صاحب مدين: "إﻧﻲ أرﻳﺪ أن أنكحك إحدى اﺑﻨﺘﻲ هﺎتين ﻋﻠﻰ أن تأجرني ﺛﻤﺎﻧﻲ حجج" كما استدلوا ﻋﻠﻰ ﺟﻮاز اﻟﻮكالة بقوله ﺗﻌﺎﻟﻰ حكاية ﻋﻦ أصحاب الكهف: "ﻓﺎبعثوا أحدكم ﺑﻮرﻗﻜﻢ هذه إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ أﻳﻬﺎ أزكى طعاما ﻓﻠﻴﺎتكم ﺑﺮزق منه وﻟﻴﺘﻠﻄﻒ".
    وهذه بعض النماذج موجزة ﻋﻦ اﺳﺘﻤﺪاد اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ من اﻟﺸﺮاﺋﻊ اﻟﺴﺎبقة.
    * كذالك أباح الاقتداء باﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﻓﻲ اﻟﻔﺮوع وﻟﻮ ﺗﺮك شرطا من شروط اﻟﺼﻼة أو ركنا من أركانها ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ إذا كان اﻹمام ﻻ يرى ذﻟﻚ شرﻃﺎ وﻻ ركنا ﻓﻲ مذهبه ، و من الأمثلة على ذلك اﻟﺼﻼة وراء من نام وﻟﻢ يتوضأ أو ﻻ يقرأ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة، أو يفتح اﻟﺼﻼة بغير ﺗﻜﺒﻴﺮة اﻹحرام كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة رضي اﷲ ﻋﻨﻪ.
    * ﻓﻲ رﻓﻀﻪ ﺗﻜﻔﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ بالذنب واﻟﻬﻮى ﻓﻘﺪ ﺳﺌﻞ مالك ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ أكفار هم؟ ﻓﻘﺎل:من اﻟﻜﻔﺮ ﻓﺮوا. و هذا أيضا نوع آخر من رحابة ﺻﺪر اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ.
    * وكذا ﻓﻲ ﺗﺼﺤﻴﺤﻪ حكم اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﻤﺬهب اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ومنع نقضه وإن خالف اﻟﻤﺸﻬﻮر أو اﻟﺮاﺟﺢ ﻓﻲ اﻟﻤذهب اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ، وهﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻤذهب بحكم اﻟﺤﺎكم يرفع اﻟﺨﻼف اﻟﻤﺸﺎر ﻟﻬﺎ بقول خليل : "ورﻓﻊ اﻟﺨﻼف ﻻ أحل حراما "
    * كما قرر اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻓﻲ باب اﻷمر بالمعروف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ، أن اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ ﻻ يجب ﻓﻴﻪ اﻷمر باﻟﻤﻌﺮوف وﻻ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ، وهﻲ ﻗﺎﻋﺪة من أهم اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺘﻌﺎيش بين اﻟﻤﺬاهب واﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﺤﻔﻈﻬﺎ من اﻟﺼﺮاع اﻟﻤﺬهبي واﻟﻄﺎﺋﻔﻲ حيث ﻻ ينكر بعضهم ﻋﻠﻰ بعض ﻓﻴﻤﺎ يراه مشروعا ﻓﻲ دينه أو ﻓﻲ مذهبه.
    * و يتجلى انفتاحه فيما إذا ﻟﻢ يوجد نص للمالكية ﻓﻲ اﻟﻨﺎزﻟﺔ اﻟﻤﻌﺮوضة ﻓﺈنه يعمل ﻓﻴﻬﺎ بالفقه اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ أو اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺤﻨﻔﻲ ﻋﻠﻰ خلاف بين اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ، و هذا استمداد من خارج المذهب المالكي.
    * ﻓﻲ اﺳﺘﺤﺴﺎن ﻋﻠﻤﺎﺋﻪ اﻟﻌﻤﻞ برأي اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ابتداء ﻓﻲ بعض مواطن اﻟﺨﻼف و هو ما يعرف بباب اﻟﻮرع واﻟﺨﺮوج من اﻟﺨﻼف،و من أمثلة على ذلك ﻗﺮاءة اﻟﺒﺴﻤﻠﺔ ﺳﺮا وﻗﺮاءة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ خلف الإمام ﻟﻠﺨﺮوج من خلاف اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ رحمه اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
    * ﻓﻲ ﻗﺒﻮﻟﻪ رواية اﻟﻤﺒﺘﺪع إذا ﻟﻢ يكن داﻋﻴﺔ ﻟﻤﺬهبه وﻟﻢ يكن ممن يستحل اﻟﻜﺬب، و هذا نوع آخر من اﻟﻤﺮونة و من رحابة اﻟﺼﺪر وﻗﺒﻮل رأي اﻵخر .
    * ﻓﻲ إباحته اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ اﻟﻤﺬهب واﻟﻌﻤﻞ بالقول اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ وﻓﻲ بعض اﻟﻘﻀﺎيا اﻟﺘﻲ يصعب ﻓﻴﻬﺎ اﻷخد بالفقه اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ أو بغير ذﻟﻚ من اﻷﺳﺒﺎب .
    و بهذا يتبين مدى انفتاح اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ ومصالحته له و تعايشه معه ﻓﻲ ﺳﻼم وﺗﻔﺎهم ووﺋﺎم وإمكان اﻷخد منه و اﻻﻗﺘﺒﺎس منه .
    الفرع الثاني: ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻪ ﻟﻠﺘﻄﻮر واﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ومواكبته للعصر ﻓﻲ ﻇﻞ الشريعة اﻹﺳﻼمية
    و يتجلى ذلك من خلال أخذه بمبادئ اﻟﻌﺎدة اﻟﺤﺴﻨﺔ واﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ وﺳﺪ اﻟﺬراﺋﻊ؛ ﻓﺈن هﺬﻩ اﻷمور ﺗﺨﺘﻠﻒ من ﻋﺼﺮ إﻟﻰ ﻋﺼﺮ، ومن بلد إﻟﻰ بلد ،مما يفتح اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻰ مصراعيه أمام كل باحث مقتدر، وكل ﻓﻘﻴﻪ مجتهد، يتمتع بالأهلية اﻟﻀﺮورية ﻻﺳﺘﻨﺒﺎط ما يحتاج استنباطه من أحكام، أو اختياراﻷﻓﻀﻞ واﻷنسب مما هو موجود ومنصوص ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ التراث اﻟﻔﻘﻬﻲ اﻹﺳﻼمي.
    وﻗﺪ أثبتت اﻟﺘﺠﺮبة اﻟﻤﻐﺮبية نجاعة هذا اﻷﺳﻠﻮب وﻓﺎﺋﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﻓﻘﻪ اﻟماجريات أو ما يعرف بما ﺟﺮى به اﻟﻌﻤﻞ: اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﺎﺳﻲ، واﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻓﺈن رواد هﺬا اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺘﺠﺪيدي اﺳﺘﻨﺪوا ﻓﻲ أحكامهم وفتاويهم اﻟﺘﻲ ﺟﺮى بها اﻟﻌﻤﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ وﺳﺪ اﻟﺬراﺋﻊ، واﻟﻌﺎدات اﻟﺤﻤﻴﺪة ﻻﻋﺘﻤﺎد أﻗﻮال مرجوحة أو خارجة ﻋﻦ اﻟﻤﺬهب ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ مع اﻟﻈﺮوف اﻟﺪينية واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدية واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻷمنية اﻟﺘﻲ كانوا يعشون بها، مما أﻏﻨﺎهم ﻋﻦ اﻟﺘﺒﻨﻲ واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ واﻻﻗﺘﺒﺎس من اﻟﻐﻴﺮ، وﺳﺎﻋدهم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮية اﻹﺳﻼمية واﻟﻄﺎبع اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻓﻲ ﺗﺸﺮيعهم وﻗﻀﺎﺋﻬﻢ، وأمثال ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮﺁن ﺟﻤﺎﻋﺔ، وشهادة اﻟﻠﻔﻴﻒ،
    وبيع اﻟﺼﻔﺔ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ كما هو معروف ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﺎﺳﻲ وﻏﻴﺮﻩ. إﻻ أن هﺬﻩ اﻟﻘﺎبلية ﻟﻠﺘﻄﻮر واﻟﺘﺠﺪيد محصورة ومحدودة ﻓﻲ ﺳﺎحة اﻟﻤﺴﻜﻮت ﻋﻨﻪ أو اﻟﻤﺨﻴﺮ ﻓﻴﻪ أما اﻟﻤﻨﺼﻮص ﻋﻠﻴﻪ أمرا أو نهيا أو ما يسمى بالعادات اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ كما ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻃﺒﻲ ﻓﺈنه من اﻟﺜﻮابث اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، وﻻ يجوز اﻟﻤﺴﺎس بها باسم اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ أو اﻟﻌﺎدة اﻟﻤﺘﺠﺪدة، ﻷن ذﻟﻚ يعتبر نسخا ﻟﻠﺸﺮيعة وﻻ نسخ بعد وﻓﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .
    المطلب الثاني: اﻟﻤــﺮوﻧــﺔ و التيسير
    الفرع الأول: المرونة
    و ذلك من خلال معالجته لكثير من اﻟﻘﻀﺎيا اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ واﻟﺤﺎﻻت اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ حل اﻟﻤﺸﺎكل اﻟﻄﺎرﺋﺔ بفضل بأصل أو مبدأ "مراعاة اﻟﺨﻼف" اﻟﺬي انفرد به الإمام مالك الذي بنى ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﻬﻪ، يتجلى ذﻟﻚ:
    * تصحيح بعض اﻟﻌﻘﻮد اﻟﻔﺎﺳﺪة اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ بعد وﻗﻮﻋﻬﺎ مراعاة ﻟﻘﻮل اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ بشرط أن يكون ذﻟﻚ اﻟﻘﻮل مؤسسا ﻋﻠﻰ دﻟﻴﻞ ﻗﻮي ﻓﻲ نفسه، وهذا يشبه اﻷخذ برأي اﻷﻗﻠﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮوف حاليا.
    * ﺗﺮﺗﻴﺐ المذهب المالكي لأثار اﻟﻌﻘﻮد اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻔﺎﺳﺪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ. بتصحيحه بعضها بعد الدخول، ﻷنه بعد اﻟﺪخول ﻻ يمكن أن يفرق بين اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﻟﻤﺎ يترتب ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ من ﺗﺸﺘﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﺗﺸﺮيد اﻷﻃﻔﺎل، وﻟﻬﺬا يتساهل اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻋﻦ رأيه اﻷول اﻟﺬي يقول بمنع هذا اﻟﻨﻜﺎح ويصححه حفاظا ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﺮار هذه اﻷﺳﺮة، ويلحق اﻟﻮﻟﺪ بالزوج و يوجب ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻮارث بين اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺴﺦ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ من أحكام النكاح اﻟﺼﺤﻴﺢ.
    و كذا ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮع اﻟﻔﺎﺳﺪة فينتقل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤﺎن ﻟﻠﻤﺸﺘﺮي بمجرد اﻟﻘﺒﺾ وإذا ﻓﺴﺪ اﻟﻤﺒﻴﻊ يمضي بالثمن. بينما نجد اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ يرى ﻓﺴﺦ اﻟﺒﻴﻊ اﻟﻔﺎﺳﺪ وﻟﻮ ﺗﺪاوﻟﺘﻪ اﻷيدي كما يرى ﻓﺴﺦ اﻷنكحة اﻟﻔﺎﺳﺪة وﻟﻮ وﻟﺪت اﻟﺰوﺟﺔ اﻷوﻻد.
    الفرع الثاني:اﻟﺘﻴﺴﻴﺮ ﻓﻲ أحكامه وأرائه
    راﺋﺪﻩ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ وما اﺳﺘﻨﺒﻂ منهما من ﻗﻮاﻋﺪ أﺻﻮﻟﻴﺔ ومبادئ ﻓﻘﻬﻴﺔ ﺳﺎﻋﺪﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﺗﺨﺎذ أيسر اﻟﺤﻠﻮل وأخف اﻷحكام وأﺳﻬﻠﻬﺎ مثل ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻳﺮﻳﺪ اﷲ ﺑﻜﻢ اﻟﻴﺴﺮ وﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻜﻢ اﻟﻌﺴﺮ" وﻗﻮﻟﻪ تعالى: "ﻻ ﻳﻜﻠﻒ اﷲ ﻧﻔﺴﺎ إﻻ وﺳﻌﻬﺎ" وﻗﻮﻟﻪ تعالى: "وما ﺟﻌﻞ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ من حرج " وﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ:"ﻳﺴﺮوا وﻻ تعسروا ا" وﻗﻮﻟﻪ: "إﻳﺎكم واﻟﻐﻠﻮ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ". وﻗﺎﻋﺪة "اﻟﺤﺮج مرفوع "، و "اﻟﻤﺸﻘﺔ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﺘﻴﺴﻴﺮ"، و"اﻟﻀﺮر يزال"، و"اﻟﻀﺮورات ﺗﺒﻴﺢ اﻟﻤﺤﻈﻮرات"، و"اﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻷشياء اﻟﻄﻬﺎرة واﻹباحة"،
    وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ من اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ كان ﻟﻬﺎ انعكاس إيجابي ﻓﻲ مختلف أبواب اﻟﻔﻘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدات واﻟﻌﺒﺎدات واﻟﻤﻌﺎملات واﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت وشؤون اﻷﺳﺮة وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ من أبواب اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ أكثر ﺗﻴﺴﻴﺮا وﺗﺴﺎمحا ﺎ وأكثر اﺳﺘﺠﺎبة ﻟﺤﺎﺟﺎت اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻋﺒﺎدﺗﻬﻢ ومعاملاتهم ، وأرﻓﻖ بهم وأﺻﻠﺢ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ دينهم و دنياهم . مثال ذالك: رأي المالكية في الإمساك بعد الفطر بعذر، بجواز الفطر لأن له عذر أباح له الفطر و لو زال عذره فلا يستحب له الإمساك كأن زال الحيض أو النفاس في نهار رمضان أو انقضى السفر فيجوز له التمادي في تعاطي الفطر و عليه القضاء بخلاف المذاهب الأخرى. و من مظاهر التيسير كذلك إجازة المالكية خيار المجلس في عقد الزواج إذا اشترط لأن المرأة قد تكون مكرهة على الزواج.
    المطلب الثالث : الوسطية والاعتدال وبعده المقاصدي
    تميز المذهب المالكي بخاصية الوسطية والاعتدال في أحكامه ومواقفه وفي أصوله وفروعه، حيث سلك منهج لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تشديد، ولا غرابة ولا شذوذ، ولا جمود ولا تعقيد، ولا تمرد ولا تكفير، يقول بالقياس، ويحبذ الأخذ بالرخص، ويكره الأخذ بغرائب الأقوال وشواذ الأحكام، يحب الإتباع، ويكره الابتداع ويحرم استعمال الحيل للتخلص من الواجبات أو التوصل إلى المحرمات، ويرفض نتائجها ويؤاخذ المحتال بنقيض قصده، ويحرمه من الاستفادة من حيلته، ويعاقبه عل فعلته، كمثال على ذلك التوليج في البيع والوصايا، والتوليج في البيع هو إظهار العطايا في صورة البيع، يريد بذلك أن يتبرع على وارثه ويخاف أن يمنعه الشرع من ذلك فيكتب له بيعا صوريا، وفي الوصايا أيضا كذلك نفس الشيء، والطلاق في المرض ونكاح المحلل، وهذه كلها حيل يرفضه الفقه المالكي ولا يعتد بنتائجها ، ومن ذلك أيضا مدة توقيت خيار الشرط في البيع، يختلف توقيته باختلاف المبيعات، فمدة الخيار في الطعام يوم، وفي العروض أسبوع، وفي العقار شهر.
    ونظائر هذا كثير جدا، فالتوسط والاعتدال مرعي في أصول المذهب وفروعه، وإذا كانت قد بنيت فيه أحكام على الاحتياط الشرعي، وسد الذريعة ونحوها، فإن أحكاما أخرى قد بنيت فيه على الاستصلاح ومراعاة الخلاف ونحوها، فالاعتدال والتوسط حاضر ملحوظ في نسق المذهب ومنظومته العامة وبنائه الكلي.
    أما بعده المقاصدي يعتبر الفقه المالكي من أعمق المذاهب الفقهية فهما لروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها وأبعدها نظرا واعتبارا لمآلاتها وأكثرها التزاما بمراعاة حكما وأسرارها عند استنباط الأحكام من نصوصها، وخاصة فيما يتعلق بالضروريات الخمس،فإنه تفوق على كثير من المذاهب الفقهية في العناية بها والمحافظة عليها ومنع المساس بها من قريب أو بعيد وبأي وجه من الوجوه.
    وللتوضيح يكتفي أن نأخذ نموذجا واحدا وثيق الصلة بالمحافظة على الأرواح، حيث يستطيع كل قارئ وباحث أن يلمس فيه حكمة الفقه المالكي، وبعد نظره والتزامه بروح الشريعة ومقاصدها، وقدرته على بلورتها وتحقيقها في تشريعاته أحكامه .
    ففي باب الدماء يتفق الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه ومدارسه على أن الحكمة من القصاص هي المحافظة على أرواح الناس وحياتهم، والضرب على أيدي المعتدين وزجرهم عن سفك دماء الأبرياء ظلما وعدوانا أخذا من قوله تعالى: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ﴾
    فهل استطاعت المذاهب الفقهية المختلفة تحقيق هذه الحكمة وبلوغ هذا الهدف؟
    وهل نجحت في المحافظة على أرواح الناس والقضاء على جريمة القتل أو التخفيف منها؟
    بالنسبة للمذهب المالكي نستطيع الإجابة بنعم على هذه الأسئلة كلها، فقد استطاع تحقيق تلك المحكمة، ووفق في وضع القواعد والضوابط الكفيلة بإنجاحها، ونجح في الحد من جريمة القتل في المجتمعات التي دانت له مدة سيادته في محاكمها.
    ويؤكد ما نقوله أمران:
    الأول: نظري تشريعي يتمثل في وضع القواعد الصارمة وغير المتساهلة مع من تسول له نفسه الاعتداء على حياة الناس وأرواحهم.
    وهكذا أوجب القصاص في القتل العمد بقطع النظر عن الآلة المستعملة فيه، والطريقة المتبعة في تنفيذه، وسوى بين القتل مباشرة والقتل تسببا، وتوسع كثيرا في مفهوم السببية لتشمل الإكراه على قتل الغير والأمر به، والدلالة على المختبئ المراد قتله، وإمساكه لمن يريد قتله، ومنع الطعام والشراب والدواء واللباس عن المضطر لذلك، وشهادة الزور بما يوجب القتل، كما أوجبه بالتخويف إذا ترتب عليه الموت، وما يعرف أيضا بقتل الرحمة، إذا طلب المريض مثلا ممن يقتله ويتنازل عن حقه، فإنه يقتص من القاتل لأن المتنازل تنازل عما لا يملك- لان النفس ملك لله تعالى. كما أوجب قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله .
    وبهذا التشريع الصارم سد جميع أبواب القتل وأغلق نوافذه، وضمن للناس حياة آمنة مطمئنة كما وعد الله تعالى بها في قوله ﴿ ولكم في القصاص حياة يا أولي لعلكم تتقون﴾
    ويؤكد هذا الأمر الثاني: وهو قلة نوازل الدماء في كتب النوازل الفقهية المالكية مما يفسر قلة حوادث القتل، ويسجل شهادة واقعية باستتباب الأمن في تلك الأزمنة والبلاد التي ساد فيها الفقه المالكي.
    بينما نجد بعض المذاهب الفقهية ضيقت من مفهوم القتل الموجب للقصاص وتوسعت في مفهوم الشبهة المسقطة للقصاص، ومنعت القياس في الحدود، وبذلك انفتح باب القتل على مصراعيه وأصبح باستطاعة كل مجرم أن يقترف جريمته باحثا عن الوسيلة التي تخلصه من القصاص، وهذا مناقض للحكمة التي شرع لها الله تعالى القصاص .
    اهتم المذهب المالكي بالمسائل الواقعية، ولم يفترض المتوقعات فنوازله وفروعه في مختلف الأبواب، موضوعاتها تتراوح بين ما هو واقع وما يمكن وقوعه إلا ناذرا، فكان مالك رحمه الله إذا سئل عن مسألة من هذا النوع يقول للسائل، سل عما يكون ودع ما لا يكون، أو سل عما ينتفع به، ولم يكن يتسرع في الجواب إذا استفتي، بل كان يتأنى ولو امتد به الوقت. ويروي ابن مهدي أن رجلا سأل مالكا عن مسألة وذك انه أرسل فيها من مسافة ستة أشهر من المغرب فقال له: أخبر الذي أرسلك أن لا علم لي بها، فقال: ومن يعلمها قال: الذي علمه الله، وكثيرا ما كان يردد: لا أدري، ويختم إذا أجاب بقوله: "أن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين" .
    فهو مذهب عملي يعتد بالواقع، ويأخذ بأعراف الناس وعاداتهم، ففقه عملي أكثر منه نظري، يتماشى مع طبيعة الفطرة في بساطتها ووضوحها دون تكلف أو تعقيد .
    فقد اتسم بالمنطقية والعقلانية في أحكامه إذ لا تجد فيه ما يناقض العقل السليم أو يخالف
    المنطق الصحيح.
    المبحث الثالث: خصائص المذهب المالكي من حيث كثرة مصطلحاته
    لما كان المذهب المالكي أكثر المذاهب أصولا فهو كذلك من أكثر المذاهب اصطلاحا، حيث تميز بكثرة مصطلحاته. و الاصطلاح كما عرفه الجرجاني: "هو عبارة عن اتفاق قام على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه الأول، أو هو إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما" . و عليه، فللمذهب المالكي مصطلحات تتعلق بالأحكام التكليفية
    وأوصاف العبادة و المسائل الفرعية و الترجيحات، و مصطلحات تهتم بأئمة و كتب المذهب، هذا ما سنحاول مناقشته في المطالب التالية.
    المطلب الأول: المصطلحات التي تتعلق بالأحكام التكليفية و أوصاف العبادة
    الفرع الأول: ما يشير إلى الأحكام التكليفية
    الحكم التكليفي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء و تخييرا .و يندرج ضمن هذا التعريف الواجب والمستحب والحرام والمكروه ثم المندوب، و استعمل فقهاء المالكية لهذه الألفاظ عدة مصطلحات. فالواجب هو "ما ذم تاركه شرعا "، و الألفاظ المرادفة له عند المالكية: الفرض، يقول الرازي: "فاعلم أنه لا فرق ـــ عندناـــ بين الواجب والفرض" ، واللازم والمحتوم والمكتوب والمستحق، و ذكروا أيضا أنه يطلق على السنة المؤكدة مجازا، ولذالك يلتزمون تقييده بها، كما يطلقونه أيضا على ما يتوقف عليه الشيء وإن لم يأثم المكلف بتركه ، أي ما تتوقف عليه صحة العبادة و جواز الإتيان بها كوضوء النافلة ، و قد وردت هذه الألفاظ كأسماء للواجب في كتب الأصول كما في كتاب "تقريب الوصول": "أما الواجب فهو الفرض والمكتوب و المحتوم والمستحق" . والمندوب هو:"ما رجح فعله على تركه شرعا من غير ذم" ، ومن الألفاظ المرادفة له: السنة، المستحب، النافلة، جمعها ابن جزي بقوله: "أما المندوب فهو المتطوع، وهو درجات أعلاها السنة، و دونها المستحب و هو الفضيلة، ودونها النافلة" . أما الحرام فهو "ما زجر الشارع عنه ولام على الإقدام عليه" ، و من مرادفات الحرام: المحظور، المعصية، الذنب، مزجور عنه، القبيح، ذكرها الرازي في المحصول بقوله:"و أسماؤه كثيرة، أحدها: أنه ''المعصية''، وثانيها: أنه ''المحظور''، وثالثها: أنه ''ذنب''، ورابعها: أنه ''مزجور عنه''، وخامسها: أنه ''قبيح'' . و مصطلح المباح مراده عند المالكية: "ما خير الشارع فيه بين الفعل و الترك من غير اقتضاء و لا زجر" ، ويقابله لفظ الجواز الذي معناه استواء الطرفين .
    الفرع الثاني: المصطلحات المتعلقة بأوصاف العبادة
    المراد بأوصاف العبادة كل ما توصف به العبادات من أداء وقضاء و إعادة وصحة وإجزاء. فالأداء هو: إيقاع العبادة في وقتها المعين لها شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت ،
    والقضاء هو: إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عينه الشرع لمصلحة فيه ، فعلى هذا العبادة قد توصف بالأداء و القضاء كالصلوات الخمس و قد لا توصف بهما كالنوافل، و قد توصف بالأداء وحده كالجمعة و العيدين . أما الإعادة فهي ما فعل ثانيا في وقت الأداء لخلل في الأول . و الصحة لها معنيين: الأول عند المتكلمين وهي عبارة وافق الشرع، وجب القضاء أو لم يوجب، والثاني عند أكثر الفقهاء عبارة عما أجزأ وأسقط القضاء ؛ إذ لم يقتصر الفقهاء على أن يقع الفعل موافقا للأمر الشرعي، بل يجب أن يجزئ و يسقط به القضاء، أي أن يكون الفعل مستكملا لأركانه و شروطه خاليا من الموانع فإذا كان كذلك فيوصف بأنه صحيح. أما الوصف الخامس الإجزاء أي أن الفعل إنما يوصف بكونه ''مجزيا'' إذا كان يمكن وقوعه، بحيث يترتب عليه حكمه و يمكن وقوعه لا يترتب عليه حكمه كالصلاة والصوم والحج .
    المطلب الثاني: المصطلحات المتعلقة بالمسائل الفرعية و الترجيحات
    الفرع الأول: ما يتعلق بالمسائل الفرعية
    للمذهب المالكي مصطلحات تهتم بالمسائل الفرعية تميز بها عن غيره من المذاهب أو مصطلحات انفرد بها عن بعض المذاهب دون البعض الآخر، من هذه المصطلحات:
    • استعمل فقهاء المذهب مصطلح "المستنكح" للموسوس كما جاء في "الذخيرة": وأما الموسوس: قال عبد الحق و التونسي و اللخمي: إذا تيقن الحدث و شك في الطهارة توضأ وإن كان موسوسا، وعكسه يعفى عنه" .
    • إطلاقهم "سباط اليمين" على سببها الذي أثارها، و هو مصطلح قد انفردوا به عن غيرهم من المذاهب الأخرى .
    • مصطلح "خيار التروي" كما في عبارة الحطاب: "و الأصل في البيع اللزوم والخيار عارض ينقسم إلى خيار ترو وإلى خيار نقيصة" ، يعني خيار الشرط في المذاهب الأخرى.
    • مصطلح "المضغوط" جاء في مواهب الجليل: "و يعبر أهل المذهب عن هذه المسألة بمسألة بيع المضغوط و هو المكره" .
    • مصطلح "الاعتصار" للدلالة على الرجوع في الهبة ، في حين المذاهب الأخرى تعبر عنه بالرجوع في الهبة.
    • مصطلح "المالكية" في باب الفرائض أي مسألة فيها جد وأم وزوج وإخوة لأم وإخوة لأب، فيقولون إن مذهب مالك فيها أن الزوج يرث النصف والأم السدس والجد يأخذ الباقي فيحجب الإخوة لأم ولا يأخذ الإخوة لأب شيئا.
    • مصطلح "خيار النقيصة" الذي هو خيار العيب عند الحنفية والحنابلة، أما الشافعية فهم موافقون للمالكية في الإطلاق.
    • مصطلح "القراض" تعبيرا عن المضاربة التي هي تمكين مال لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ الإجارة، و قد وافقهم على ذلك الشافعية بينما خالفهم الحنفية والحنابلة .
    الفرع الثاني:المصطلحات المتعلقة بالترجيحات
    إن المصطلحات الترجيحية منها ما ورد على لسان الإمام مالك رضي الله عنه، ومنها ما تعارف عليه المذهب من خلال أتباعه، وفي هذا الفرع سنبرز بعض هذه المصطلحات.
    • مصطلحات الإمام مالك في الترجيح:
    قوله "الأمر عندنا" كما في سجود التلاوة: "الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء" . ثم مصطلح "الأمر المجتمع عليه عندنا" استخدمه الإمام مالك رحمه الله في قضية الاستثناء في بيع الثمر، و يستعمله حين يعلم أن أهل المدينة مجمعون على ذلك، أو حين لا يعلم لأهل المدينة قولا يخالف ذلك . كما أن الإمام مالك كان يستعمل مصطلح "عليه أدركت الناس" كما في قوله: "لا يقرأ في الصلاة بسم الله الرحمان الرحيم في المكتوبة لا سرا في نفسه و لا جهرا، و هي عليها أدركت الناس" ، ولهذا المصطلح مرادفات كثيرة منها: "وهو الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا"، "وعلى هذا رأيت الناس"، "الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا" .
    • المصطلحات الترجيحية المتعارفة عند فقهاء المالكية: لقد اعتمدوا هم أيضا على مصطلحات ترجيحية تدل على القول المعتمد في المذهب، بسبب كثرة الأقوال و الروايات عن الإمام مالك وعن أصحابه رحمهم الله، لهذا تجد في المذهب مصطلحات من قبيل: "اتفاق علماء المذهب" و "الراجح" و "المشهور" و "المعروف" و "الأصح والصحيح" و"ما به الفتوى" و "ما عليه العمل" و "الأحسن" و"الأولى" و"الأشبه" و"المختار" و"الصواب" و"الحق" و"الاستحسان" .
    المطلب الثالث: المصطلحات التي تتعلق بأئمة و كتب المالكية
    لقد تميز المذهب المالكي عن باقي المذاهب الأخرى بمصطلحات تخص أعلامه وكتبه؛ إذ تجد في مؤلفاتهم عبارات كالشيخان أو الإمام أو الأستاذ أو الأمهات أو الدواوين.
    الفرع الأول: ما يشير إلى أئمة المذهب المالكي
    مصطلح "الفقهاء السبعة": فالمراد بهم فقهاء المدينة الذين هم: سعيد بن المسيب
    و عروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و خارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود و سليمان بن يسار أما السابع فمختلف في تعيينه على ثلاثة أقوال الأول: أبو سلمة بن عبد الرحمان، الثاني: سالم بن عبد الله بن عمر، الثالث: أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث .
    مصطلح "المدنيون": فالمراد بهم إما: المدنيون عموما لأنهم ينتسبون للإمام مالك، أو يراد بهم الرواة عن مالك من أهل المدينة كابن الماجشون وكنانة ومطرف وابن نافع.
    مصطلح "المصريون": إذا قال المالكية هذه رواية المصريين فالمراد بهم: ابن القاسم و أشهب وابن وهب و نظراؤهم.
    مصطلح "المغاربة": المراد بهم ابن أبي زيد القيرواني وابن القابسي و اللخمي
    وابن العربي و القاضي عياض و أضرابهم.
    مصطلح "المتقدمون": هم من قبل ابن أبي زيد (ت386) من تلاميذ مالك وأتباعه كابن القاسم و سحنون و اللباد.
    مصطلح "المتأخرون": المراد بهم من أتى بعد ابن أبي زيد من علماء المالكية.
    مصطلح "الأخوان": يقصد بهما مطرف بن عبد الله و عبد الملك ابن الماجشون سميا بذلك لصحبتهما في طلب العلم.
    مصطلح "الشيخان": يراد بهما ابن أبي زيد القيرواني وابن القابسي علي بن محمد.
    مصطلح "القرينان": يراد بهما أشهب بن عبد العزيز وعبد الله بن نافع.
    مصطلح "المحمدان":هما محمد بن عبد الحكم و محمد بن المواز.
    مصطلح "محمد": بحيث إذا ذكر محمد فقط فيراد به محمد بن المواز.
    مصطلح "القاضيان": هما القاضي عبد الوهاب و القاضي أبو الحسن بن القصار.
    مصطلح "القرويان": أبو عمران الفاسي و أبو بكر بن عبد الرحمان.
    مصطلح "حافظ المذهب": هو ابن رشد الجد.
    مصطلح "الإمام": يقصدون به علي بن أبي عبد الله المازري.
    مصطلح "الأستاذ": يعنون به الشيخ أبو بكر الطرطوشي.
    مصطلح "الصقليان": يشيرون بهذا الاصطلاح إلى ابن يونس و عبد الحق.
    مصطلح "المغربي": يقصد به أبو الحسن الصغير أحد شراح المدونة .
    الفرع الثاني: ما يشير إلى كتب المذهب المالكي
    تجد في بعض مؤلفات المالكية حروف ترمز لبعض مصادر المالكية: كحرف الكاف أو "حش" أو"مج" أو"المص" أو"ضيح".
    فالمراد من حرف "ك": شرح الخرشي الكبير، و حرفي "حش": حاشية الشيخ العدوي على شرح الخرشي، و "مج": يراد به مجموع الأمير، أما "المص": فيقصد به مختصر خليل، و"ضيح": فيعني التوضيح لخليل، أو مصطلحات تتعلق بكتب المالكية كالكتاب أو الأمهات وغيرهما، فالمراد ب "الكتاب" أو "الأم" المدونة لصيرورتها عندهم علما بالغلبة، أما مصطلح "الأمهات" فيطلق على أربعة كتب: "المدونة" برواية سحنون عن ابن القاسم عن الإمام مالك، و "الموازية" لمحمد بن المواز، و "العتبية" لمحمد العتبي، و "الواضحة" لابن حبيب.
    أما مصطلح "الدواوين" فيطلق على سبع كتب للمالكية الأمهات ثم "المختلطة" لابن القاسم، و"المبسوط" للقاضي اسماعيل، و"المجموعة" لابن عبدوس.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 7:04 pm